يروي لنا التاريخ قصة زواج ثابت والد أبي حنيفة النعمان فيطربنا ويعجبنا حيث يتجلَّى فيها الورع من ثابت الذي رأى أنَّ أكل تفاحة من بستان بدون علم صاحبه إثم ... كما يتجلَّى في القصة حرص والدِ الفتاة على مصاهرة ثابت بعد أن رأى ورعه وتقواه ، ..
حيث أبى أن يعفو عن اكل تفاحة من بستانه إلاَّ بشرط لا مناص منه وهو أن يوافق على الزواج من ابنته العمياء المقعدة البكماء الصمَّاء ، ويوافق ا
لفتى على الزواج من هذه الفتاة مادام ذلك طريقا إلى العفو ، ولكنه يرى من صفات الفتاة بعد زواجهما ما أدهشهُ وأسعده ، فهي عمياء عن النظر إلى الحرام ، مقعدة عن السير إليه ، بكماء عن قول الزور ، صماء عن سماع مالا يجوز .
وينتج هذا الزواج ثمرة من أجمل الثمار ... ينتج أبا حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه الكبير .
هذي الرَّوابي وثغر الشّمس يبتسم
وللـــــبلابل في آفــــاقــــــها نـــغـــــمُ
و للشَّذا رحــــلةٌ في كلِّ ناحــــيةٍ
بـهـــا تـــألَّقَ شوقٌ وانتــشى حُـــــلُـمُ
و للنَّدى لغــــــــةٌ فصحى يُردِّدها
تُصغي إليها السهول الخضر والأكـمُ
هذي الرَّوابي وأغــصانٌ مـحــــمَّلة
ثـمـارُها كعــــقــــود الدُّرِّ تنـتـــــــظمُ
لقيتُـهــــا وبقلبي نـحـــــوها شغفٌ
جــــديدةٌ روحُــــهـا ، ماضرَّها قِـدَمُ
طالتْ بها رحلةُ الأيَّـــــــامِ ما عرفتْ
عجـزاً ، ولا نالها ضعفٌ ولا هَـــرَمُ
وقفتُ فيـهـــا وعـــيني في حَدَائِقـها
ترعى وقد كثرت في أرضِهَا النَّعـــمُ
هذي الرَّوابي،فيا قلب المحبِّ أفق
فكلُّ من رتعـوا في أرضها غنِــموا
هــــنا تلفت قلبي ، والـحنيــنُ يـدٌ
تـهــــزُّهُ ، وبـحـارُ الشَّوقِ تلتـــــطمُ
وفتحتُ في جدارِ الكفـــر نافــــذةً
وأشــرقتْ صـــورٌ يزهو بـها القــلـــمُ
رأيتُ واجـهــــة التـــاريـخ سامقة
فيـهـــا نقـــوشٌ عليـها تـــــبرز الأمـمُ
فيـها لـمن آمنـــوا بالله تبــــصرة
بـهـــا يعـــــود إلى أخلاقه الفَـــهم
أخبار من آمنوا أخبار من كفــروا
أخبـــــار من عدلوا أخبار من ظلموا
أخبار من أسرفوا حتى أحاط بهم
عـــــــذابُ خالقــهم ، والله منـــتقم
أخبارُ من عشِقوا الدُّنيا ولذتـهـــا
أخبــار من زهدوا ، والـمـال عندهمو
كان الصباح يجرُّ الثوبَ مبتـهجاً
وحائــط الليـــل تـحت الفــــجر منهدم
والشمس تشدو بلحن النور تسكبهُ
في مسمع الكون والآفــاقُ تـــبتـسمُ
وراحلٌ يـجـــــهل الركـبان وجـهتهُ
في مقلتيهِ رؤى بالـخوفِ تلتــــحم
رجـــــلاهُ راحــلةٌ ، لا ظهر يحملهُ
وليسَ في ملكه شــــــــــاء ولا نَعَـم
حصى ، وشوك ، وقيظٌ حارقٌ وعصا
في كفه ، وامتــــــدادُ الدَّربِ مـحتـــدمُ
مضـــَى وإيـمــــــــــانهُ باللهِ يـحرُسهُ
ويأسهُ جاحظ العيـــــــــنينِ منـهــــزِمُ
حتى إذا شــــبَّ في أحشـــــائهِ لهبٌ
من جـوعهِ ، وبدا في وجــهِهِ السَّـــــأمُ
رأى على البــعدِ بســتاناً يـحيــطُ به
سورٌ ، وأغصانُــه بالأرضِ ترتــــــطمُ
فــــراح يركضُ مشتاقاً ومدَّ يـــــداً
لقطفِ تفَّاحــة تـحلــــو لـمن قَضــموا
حتى إذا هدَّ ركن الـجـوع وانتعشت
في نفسه بعـد طول الـحـيرة الهـــــمم
غـــــدا يفكر فيـمـا قــــــــارفتْ يدُهُ
وقلبهُ بلهيب الـحزن يظــــــــــــــطرمُ
وراح يسأل نفساً حـــــــــرَّةً غفلتْ
حيــنا وعذبـها في صحوة النَّـــــدَم :
ماذا أصابـــكِ يا نفسي ركنْــــتِ إلى
ما تشتـهين فأين الــوعْـــدُ والقســـــم
ماذا أقولُ لربـِّـــي حـــــين يسألني
يوم الـحسابِ إذا ما جئتُ أخـتصم
وبيــــنـمـا هــــو في هــــمٍّ يُـــكابدهُ
والرأي مـختلفٌ ، والفـكر منقـــسم
رأى على البعد رب المال فانْتعـشت
آمـــاله وزكى في نفســــــه الألــــم
يا صاحبَ الـمـال واهتزَّتْ فرائصُهُ
والخوفُ في وجـهه المعْرُوقِ مرتسمُ
يا صاحب المال قد أسرفت في خطئي
وما يعـــــزُّ علـــــيك العــــفو والكَــــــرَم
قطفتُ تفاحةً من خَلْـــــــفِ حائطكم
وقَدْ دعــــاني إليـهـــا الـجــوعُ والسَّقم
أكلتُ ما لـــيسَ لــي حـــــقٌ بـمأكله
فالـحزنُ يطحنـــــني والـهَّمُّ والنـــدم
إنِّــــي لأطلب عفــــــوا منكَ يـجعلني
أذوق طعْمَ الرِّضا فالعـمر منـــصرمُ
وراحَ يـهــــــمسُ ربُّ الـمـال منبـهِراً
غـنـيــــمة ما أرَى والـحــرُّ يغتـــــــنمُ
هـــــذا فتى ورعٌ تُــــــشرى قــرابتُهُ
وعـــنـدَ أمثالِهِ تستـــــــثـمرُ الرَّحــمُ
وراح ينظرُ في وجهِ الفَتى ، ولهُ
من حكمة العقل ، ما تصفو به الحكم
إن كنت تسعى لنيل العفو يا ولدي
فلي شروطٌ وشــرطُ الـحــــرِّ يـحترم
أعفــــو إذا ما تزوجـــت ابنتي فإذا
رددت قولي فعـــــند الله نـحـــتكــــمُ
ولا تســـل إنــــها عـــمـياء مقعـــــدةٌ
في نطقها بـكمٌ فـي سـمـــعهَا صممُ
قال الفتى قد رضيت الأمر يدفعني
خــــوفِــي من الله والإيـمـان والذِّممُ
حتى إذا حان ميعاد الزفاف قــــسا
بركانَ حسرَته واشتدَّتْ الـحــــــــممُ
وظلَّ يدعو إله العــــرش يـــــسأله
صبـــــراً وللنَّارِ في أحشائِهِ ضرم
حتى رآها ، فألْـفــــى وجــــــهَ فاتنة
تـــــرنو إليه بعينـــــــيها وتبـــــــــتسمُ
وراح يسألـــــها والقـــلبُ مندهِـــشٌ
حــقيــــــقةٌ ما رأى ، أم أنهُ الحُلُــــم
ما أنت عمياء ، بل ما أنت مقعدةٌ
فــأين منك انسداد السمع و البكمُ ؟!
وحدثتــهُ بصــــــوت لـــــــذَّ منطـــــقهُ
رقيقة تحسن النجوى وتحــــــــــــتشمُ
ما قـــــاله والدي حـــــــــقٌّ أفــــــسِّـــرُهُ
تفــــسيــــرَ من قلبُهُ بالحقِّ يلـــــــــــتزمُ
عـمــــياء عن نظرةٍ في غَــــــير موقــعهَا
صمـاء عن شــرٍّ ما قالوا وما نَظَـــــموا
بكـــمـــاء عن كل قـــولٍ فيـــه منقـــــصة
وعن حــــــديثٍ به الأعــراض تنهـــشمُ
وإنَّـــــــني يا رفــــيقَ العـــمر مقــــعدةٌ
عـن الـمســـــير إلى ما تكْـــرَهُ الشِّيَــــــــمُ
هُنَــا توجَّـــهَ نـحوَ الله يـــــشـــــــــكرهُ
وقلبُــــهُ بـمـــعاني الـحـــــبِّ مزْدَحـــمُ
وأثمرت غرسة التقوى التي غُرست
أبا حنــــيفة نعـــــم السيد الحكــم
هنا سـمعتُ نــــــــداء الـحَــقِّ يرفعهُ
صوتُ الـحقــــــيقَة والآذان تلـــتهم
إذا اتقى المرء فاحرص أن تصاهرهُ
إنَّ التَّـــقـــيَّ بـحبــــل الله يعتـــصم
الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق